. لأن مصائر الأمور كلها إليه، وقلوب العباد كلهم بيديه، والكون كله خاضع لقدرته، مستجيب لإرادته، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، وكل ما في الكون إنما هي أدوات لتحقيق قضائه وقدره. . فلا يمكن أن يصل إليك خير قط إلا إذا كان الله قد كتبه لك، ولا يمكن أن يوصل أحد إليك شرا قط إلا إذا كان الله قد قدره عليك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ]. فالله سبحانه وحده هو القادر وكل ما سواه عاجز: {ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ . إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ . يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ ۖ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}(الرعد:14)، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}(الجـن:18). فإذا سألت فاسأل الله ولا تسألن أحدا سواه: قال طاووس لعطاء بن أبي رباح رحمهما الله: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك سبحانه وتعالى". وروى أبو داود والترمذي والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: [مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ] لا تســـألن بني آدم حـاجـــة .. .. وسـل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله .. .. وبني آدم حين يسأل يغضب فإن الله تعالى هو وحده القادر على أن يحرك الدنيا كلها من أجل إجابة دعوة، أو نصرة لمظلوم، كما فعل مع نوح، وإبراهيم، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب، وموسى، ويونس عليهم جميعا أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، كيف حرك لهم الكون ، فأغرق الدنيا لنوح، وأوقف الأسباب لإبراهيم، وشق البحر لموسى، ونجى يونس من بطن الحوت، كل ذلك ليعلم الناس بحق: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} روى البيهقي في شعب الإيمان (2/ 357): عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبَّادٍ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي ذَاتَ لَيْلَةٍ قَائِلًا يَقُولُ: أَغِثِ الْمَلْهُوفَ. قَالَ: فَانْتَبَهْتُ. فَقُلْتُ: انْظُرُوا هَلْ فِي جِيرَانِنَا مُحْتَاجٌ؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي. قَالَ: فَنِمْتُ ثَانِيًا، فَعَادَ إِلَيَّ. فَقَالَ: تَنَامُ وَلَمْ تُغِثِ الْمَلْهُوفَ، فَقُمْتُ. فَقُلْتُ لِلْغُلام: أَسْرِجِ الْبَغْلَ، وَأَخَذْتُ مَعِي ثَلاثَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ رَكِبْتُ الْبَغْلَ، فَأَطْلَقْتُ عَنَانَهُ، حَتَّى بَلَغَ مَسْجِدًا. قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا أحَسَّ بِي انْصَرَفَ. قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، فِي هَذَا الْوَقْتِ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا أَخْرَجَكَ؟!. قَالَ: أَنَا رَجُلٌ خَوَّاصٌ كَانَ رَأْسُ مَالِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَذَهَبَتْ مِنْ يَدَيَّ وَلَزِمَنِي دَيْنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَأَخْرَجْتُ الدَّرَاهِمَ. وَقُلْتُ: هَذِهِ ثَلاثُ مِائَةِ دِرْهَمٍ خُذْهَا. قَلَ: فَأَخَذَهَا، قُلْتُ: تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: أنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبَّادٍ، فَإِنْ نَابَتْكَ نَائِبَةٌ فَأْتِنِي، فَإِنَّ مَنْزِلِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ نَابَتْنَا نَائِبَةٌ، فَزِعْنَا إِلَى مَنْ أَخْرَجَكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، حَتَّى جَاءَ بِكَ إِلَيْنَا.