مرحبا عزيري الزائر قم بالتسجيل الأن ..
إذا كان لديك بالفعل حساب لدينا قم بتسجيل الدخول الأن ..


حفظ البيانات .. ؟

هل نسيت كلمة السر .. ؟
العودة   مميز > ::: منتديات مميز الّإسْلاَميِة ::: > •~ القرآن الكريم وعلومه وأحكامه~•
الملاحظات

 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 01-16-2022, 09:20 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
توت احمر
اللقب:
مميز بلاتيني
الرتبة:
عضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركة
الصورة الرمزية

الصورة الرمزية توت احمر

البيانات
التسجيل: Aug 2021
العضوية: 5187
المشاركات: 10,900 [+]
بمعدل : 9.08 يوميا
اخر زياره : [+]
الإتصالات
الحالة:
توت احمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : •~ القرآن الكريم وعلومه وأحكامه~•
افتراضي آداب مهمة لمن أتم حفظ القرآن

آدابٌ مُهِمَّة لِمَنْ أتَمَّ حِفْظَ القرآن



إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

حذَّر أهل العلم من عدم الْتِزام حَفَظَة كتاب الله بالأخلاق الحسنة، والآداب المرعيَّة، والواجبات الشَّرعية؛ لئلاَّ يكونوا فتنةً لغيرهم من الجهَّال من حيث لا يشعرون، وفي ذلك يقول الآجرِّي رحمه الله: «فَمَنْ كانت هذه أخلاقَه صار فتنةً لكلِّ مفتون؛ لأنَّه إذا عمل بالأخلاق التي لا تَحْسُن بِمِثله اقتدى به الجهَّال.



فإذا عِيْبَ على الجاهل، قال: فلانٌ الحامل لكتاب الله تعالى فَعَل هذا، فنحن أولى أن نفعله، ومَنْ كانت هذه حالَه فقد تعرَّض لعظيمٍ، وثبتت عليه الحجَّة، ولا عذر له إلاَّ أن يتوب، وإنَّما حداني على ما بيَّنتُ من قبيح هذه الأخلاق نصيحةٌ مِنِّي لأهل القرآن؛ ليتخلَّقوا بالأخلاق الشَّريفة، ويتخلَّفوا عن الأخلاق الدَّنيئة، واللهُ يوفِّقنا وإيَّاهم للرَّشادة»[1].

ومن جملة هذه الآداب: ما ورد في قول الصَّحابي الجليل عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أنه قال: «ينبغي لحامل القرآن أنْ يُعرفَ بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مُفطرون، وبورعه إذا النَّاس يخلطون، وبتواضعه إذا النَّاس يختالون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون»[2]. ومن أهمِّ الآداب - بعدَ إتمامِ حِفْظِ القرآن - ما يلي:



أولًا: الخوف من الوقوع في الرِّياء:

إنَّ أوَّل ما يفعله الحافظ - بعد أنْ مَنَّ الله تعالى عليه بحفظ كتابه - أنْ يخاف على نفسه من الوقوع في الرِّياء ومحبَّة المدح والثَّناء من النَّاس، وطلبِ الجاه والمنزلةِ عندهم، بأنْ يُظْهِرَ لهم أنَّه قد أكمل حِفظَ القرآنِ وأجادَه، وهذا ما خافه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على أُمَّته بقوله: «إنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأصْغَرُ» قالوا: وما الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يا رَسُولَ الله؟ قال: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عزّ وجل لهم - يَومَ القِيَامَةِ إذا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ في الدُّنيا، فانظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً»[3].



والمُرائي بالقرآن مُعَرِّض نفسَه للعقوبة الشَّديدة الواردةِ في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ،... ورَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ»[4].

وها هو الآجرِّي رحمه الله يُحذِّر حفَّاظَ القرآن من الميل إلى حُسْنِ الثَّناء والجاه من أبناء الدُّنيا، فيقول: «ينبغي لمَنْ رزقه الله حُسْنَ الصَّوت بالقرآن أنْ يعلم أنَّ الله قد خصَّه بخير عظيم، فلْيعرفْ قَدْرَ ما خصَّه اللهُ به، وليقرأ لله لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يُستمع منه؛ ليحظى به عند السَّامعين رغبةً في الدُّنيا، والميل إلى حُسْنِ الثَّناء والجاه من أبناء الدُّنيا، والصِّلات بالملوك دون الصِّلات بعوام النَّاس، فَمَنْ مالت نَفْسُه إلى ما نهيتُه عنه، خِفْتُ أنْ يكونَ حُسْنُ صوتِه فتنةً عليه، وإنَّما ينفعه حُسْنُ صوتِه إذا خشى الله عزّ وجل في السِّرِّ والعلانية، وكان مرادُه أن يُستمع منه القرآن؛ لينتبه أهلُ الغفلة عن غفلتهم، فيرغبوا فيما رغَّبهم الله عزّ وجل، وينتهوا عمَّا نهاهم»[5].



كيف الخلاص من الرِّياء؟ هذا سؤال مهمٌّ يَرِدُ على بال كلِّ حافظٍ لكتاب الله تعالى، يرجو رحمةَ الله، ويخشى عقابه، ولا نجد جوابًا شافيًا - في هذا الشَّأن - إلاَّ عند الطَّبيب الحاذق بأعمال القلوب، ابنِ القيِّم رحمه الله حيث قال: «لا يجتمع الإخلاصُ في القلب ومحبَّةُ المدح والثَّناء والطَّمعُ فيما عند النَّاس، إلاَّ كما يجتمع الماءُ والنَّار، والضَّبُّ والحوت.


فإذا حدَّثتكَ نفسُك بطلب الإخلاص، فأَقبِلْ على الطَّمع أوَّلًا، فاذبحْه بسكِّين اليأس، وأقبلْ على المدح والثَّناء، فازهدْ فيهما زُهْدَ عُشَّاق الدُّنيا في الآخرة. فإذا استقام لك ذبْحُ الطَّمع والزُّهد في الثَّناء والمدح، سَهُلَ عليك الإخلاص.



فإنْ قلتَ: وما الذي يُسَهِّل عليَّ ذبْحَ الطَّمع، والزُّهدُ في الثَّناء والمدح؟

قلتُ: أمَّا ذَبْح الطَّمع، فيسهِّله عليك: عِلمُك يقينًا أنَّه ليس من شيء يُطمع فيه إلاَّ وبِيَدِ الله وحده خزائنه، لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبدَ منها شيئًا سواه. وأمَّا الزُّهد في الثَّناء والمدح، فيسهِّله عليك: علمك أنَّه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين، ويضرُّ ذمُّه وَيَشين إلاَّ الله وحده، كما قال ذلك الأعرابيُّ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وإنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «ذَاكَ اللهُ عزّ وجل»[6].



فازهدْ في مَدْح مَنْ لا يزينك مدحُه، وفي ذمِّ مَنْ لا يشينك ذمُّه، وارغبْ في مَدْح مَنْ كلُّ الزَّين في مدحه، وكلُّ الشَّين في ذمِّه. ولن يُقدر على ذلك إلاَّ بالصَّبر واليقين، فمتى فقدتَ الصَّبرَ واليقين، كنتَ كمَنْ أراد السَّفر في البحر في غير مركب»[7].

ثانيًا: الخشية من العُجْب بالنَّفْس والتَّعالي على الخَلْق:

تعريف العُجْب: جاء في (لسان العرب): «العُجْبُ: الزُّهُوُّ، ورجل مُعْجَبٌ: مَزْهُوٌّ بما يكون منه حَسَنًا أو قَبِيحًا»[8]. وجاء في (المعجم الوسيط): «العُجْبُ: الكِبْرُ والزَّهْوُ»[9]. وقال الغزالي رحمه الله: «العُجْبُ: استعظامُ النِّعمة والرُّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى المُنْعِم»[10]. وسئل ابن المبارك رحمه الله عن العُجْب، فقال: «أنْ ترى أنَّ عندك شيئًا ليس عند غيرك». وسئل عن الكِبْر، فقال: «أنْ تزدريَ النَّاس»[11].



حُكْم العُجْب: العُجْب محرَّم ومن كبائر الذُّنوب، بل عدَّه جماعة من العلماء: من الشِّرك المحبط للعمل. عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثَلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوَىً مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِه»[12].


وقد خاف النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على أُمَّته من العُجْب أكبر من خوفه عليهم من عموم الذُّنوب - غير الشِّرك - في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لَوْ لَمْ تَكُونوا تُذْنِبونَ، لَخِفْتُ عَلَيْكم ما هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ العُجْبَ العُجْبَ»[13]. قال المُناوي رحمه الله في علَّة تَكرار لَفْظَة (العُجْب) في الحديث: «كرَّره زيادةً في التَّنفير، ومبالغةً في التَّحذير؛ وذلك لأنَّ العاصي يعترف بنقصه فَيُرْجى له التَّوبة، والمُعْجَبَ مغرورٌ بعمله فتوبته بعيدة»[14].



الفرق بين الرِّياء والعُجْب:

قال ابن تيميَّة رحمه الله موضِّحًا هذا الفَرْقَ: «وكثيرًا ما يقرن النَّاسُ بين الرِّياء والعُجْب، فالرِّياء من باب الإشراك بالخَلْق، والعُجْب من باب الإشراك بالنَّفْس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يُحقِّق قولَه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾، والمُعْجب لا يُحقِّق قولَه: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. فمَنْ حقَّق قولَه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ خرج عن الرِّياء، ومَنْ حقَّق قولَه: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ خرج عن الإعجاب»[15].



لماذا يقع الحافظ في براثن العُجْب؟

الحافظ المعجب استعظم ما بذل من أسباب لتحصيل حفظ القرآن الكريم، ونسي أو تناسى أنَّ الله تعالى هو الذي هداه لذلك وسهَّله عليه ووفَّقه إليه، ولولا إحسانُه وفَضْله عزّ وجل لما تمكَّن أحد من حِفْظِ القرآن أو بعضِه. والواجب على - هذا الحافظ - أن ينسب النِّعمة إلى مُسبِّبها وخالِقها تبارك وتعالى، ويعترف بفضله عليه أنْ وفَّقَه وأكرمه وأعانه على حِفْظِ القرآن العظيم.



لماذا يقع الحافظ في مستنقع الكِبْر؟

والحافظ المتكبِّر اعتقد - في قرارة نفسه - أنَّه بَلَغَ مرتبةً في الكمال لم يبلغْها مَنْ حولَه، فَيُعْجَب بنفسه أوَّلًا، ثمَّ يكون العُجْب مطيَةً إلى التَّعالي على مَنْ حوله، واحتقارهم وتجهيلهم، وربَّما أتاه الشَّيطان ونفخ في صدره، وقال: أتممتَ حِفْظَ القرآن، فأنت حافِظُ زمانك، وخيرٌ من فلان وفلان، وأنت من أهل الله وخاصَّته، وأنت المُقدَّم في الإمامة والإمارة، والمرتفع في درجات الجنَّة، فهذا هو خُلُقُ الشَّيطان وتكبُّره في قوله: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76].


وينسى - هذا المتكبِّر على النَّاس بحفظه - ما ورد من النُّصوص في التَّحذير من ذلك، ومنها: ما ورد عَن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «قَالَ اللهُ عزّ وجل: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، والعَظَمَةُ إزَارِي؛ فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ»[16]. وما ورد عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»[17].



ثالثًا: الحذر من الذُّنوب والمعاصي:

لا ريب أنَّ الذُّنوب والمعاصي سبب مباشر في المصائب التي تنزل على العباد، وأنَّ نسيان القرآن بعد حِفْظِه من أعظم المصائب، ولذا قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ، فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلاَّ بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللهُ عَنْهُ أَكْثَرُ. وَقَرَأَ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]»[18]. قال الضَّحَّاك بن مزاحم رحمه الله: «ما من أحد تعلَّم القرآن ثمَّ نسيه، إلاَّ بذنب يُحْدِثه؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾، وإنَّ نسيان القرآن من أعظم المصائب»[19].

آثار في التَّحذير من المعاصي:

كان السَّلف الصَّالح - مع حرصهم على ضبط ما حفظوه من القرآن - يحاسبون أنفسهم ويلومونها على التَّقصير والخطأ، ويَعْزون سبب ذلك إلى ذنوبهم وخطاياهم: قال جعفر بن سليمان الضُّبَعي رحمه الله: «كان مالك بن دينار من أحفظ النَّاس للقرآن، وكان يقرأ علينا كلَّ يومٍ جزءًا من القرآن حتَّى يختم، فإنْ أسقطَ حرفًا قال: بذنبٍ مِنِّي، وما الله بظلاَّم للعبيد»[20]. وقال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «إنِّي لأحسب الرَّجلَ ينسى العلم بالخطيئة يعملها»[21]. وسأل رجل الإمام مالكًا رحمه الله فقال: «يا أبا عبد الله، هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إنْ كان يصلح له شيء فترك المعاصي»[22]. وأوصى بذلك وكيعُ بن الجرَّاح رحمه الله فقال: «استعينوا على الحفظ بترك المعاصي»[23].



ومن آثار المعاصي - التي أوردها ابن القيِّم رحمه الله قوله: «وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المُضِرَّة بالقلب والبدن في الدُّنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ الله.



فمنها: حرمان العلم، فإنَّ العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النُّور.

ولمَّا جلس الشَّافعي بين يدي مالكٍ وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إنِّي أرى اللهَ قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تُطفئْه بظلمة المعصية»[24].



وجاء في (فتح الباري) عن القرطبي رحمه الله - أنَّ من عقوبة ارتكاب المعاصي الرُّجوعَ إلى الجهل بعد العلم: «مَنْ حَفِظَ القرآنَ أو بعضَه فقد علت رتبته بالنِّسبة إلى مَنْ لم يحفظه، فإذا أخَلَّ بهذه الرُّتبة الدِّينية حتَّى تزحزح عنها ناسب أنْ يُعاقب على ذلك، فإنَّ تَرْك معاهدة القرآن يُفضي إلى الرُّجوع إلى الجهل، والرُّجوع إلى الجهل بعد العلم شديد»[25].



(شبهة): قد يقول قائل: كيف يكون الوقوع في المعاصي، وترك الطَّاعات سببًا في نسيان القرآن وتفلُّته من صدر حامله، ونحن نرى حُفَّاظًا للقرآن يرتكبون الأمور المحرَّمة، وارتكاب البدع المتنوِّعة، ومنهم مَنْ بَدَتْ عليه أمارات الفسق والفجور، وربَّما يكون منهم مَنْ هو إمام في الزَّيغ والضَّلال، أو جاهل بالقرآن ومعانيه، وكثير من هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن تفسيره، ولا ينفِّذون أحكامه، وهم الحاملون له، وربَّما قرأه بعضهم على قبور الأموات؛ لأجل التَّأكُّل به؟!


فكيف يكون ذلك في ضوء ما تقدَّم؟

(ردُّها): هؤلاء الحُفَّاظ الفسقة لم يعرفوا قيمة ما تحمَّلوه من كتاب الله، فحالهم وبالٌ عليهم، وفتنة لغيرهم، وهم مُسْتدرَجون بهذا الحفظ من حيث لا يشعرون، ولا يكون في حفظهم نفعٌ ولا بركة غالبًا، ولو أنَّهم عظَّموا القرآنَ الذي في صدورهم لانكسروا إخباتًا وخشوعًا وخوفًا، ومسارعة لمرضاة ربِّهم تبارك وتعالى[26]. وما أحسن ما قاله التَّابعي الجليل مالك بن دينار رحمه الله: «إنَّ العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجورًا أو فخرًا»[27]. ولا أجد لحال هؤلاء مثلًا، إلاَّ ما قاله محمد بن السمَّاك رحمه الله: «كم من مُذَكِّرٍ بالله ناسٍ لله، وكم من مُخَوِّفٍ بالله جريء على الله، وكم من داعٍ إلى الله فارٌّ من الله، وكم من تالٍ كتاب الله مُنْسَلِخ من آيات الله»[28].



آثار في بيان العلم النافع:

العلم النَّافع هو الذي يورث خشية الله تعالى، ويدعو إلى العمل، فما زال العلم يدعو العمل، فإمَّا أجاب وإلاَّ ارتحل، وفي ذلك آثار كثيرة عن الصَّحابة الكرام رضي الله عنهم، ومنها: ما ورد عن الصَّحابي الجليل عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، حيث قال: «ليس العلم بكثرة الرِّواية، ولكن العلم الخشية»[29]. وما ورد عن حذيفة رضي الله عنه، أنَّه قال: «بحسب المرء من العلم أن يخشى الله تعالى»[30].


وأمثال هؤلاء - أي: الحفَّاظِ السَّابِقِ ذكرِ حالهم - أراد الله تعالى أنْ يُقيم عليهم الحجَّة بما حفظوه، وما حملوه في صدورهم من غير عمل به، وتعظيم له، وتأدُّب معه، كما قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «وَالْقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»[31]. قال النَّووي رحمه الله: «معناه ظاهر، أي: تَنْتفعُ به إنْ تلوتَه، وعملتَ به، وإلاَّ فهو حُجَّةٌ عليك»[32]. وهناك فرق بين العلم الذي في القلب، والعلم الذي على اللِّسان، كما قال الحسن البصري رحمه الله: «الْعِلْمُ عِلْمَانِ: فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ؛ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ؛ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ»[33].



لِيَعْلَمَ المُصِرُّ على المعصية أنَّ عِلمه وبال عليه، وأنَّ حِفظه حجَّة عليه لا له، وأيُّ قيمةٍ لهذا الحفظ مع عصيانه، وانغماسه في الفجور، ويُخشى على مَنْ هذا حاله أن تُبدَّد حسناته، وتكون هباءً منثورًا، وقد جاء عن ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قَالَ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيامَةِ بِحَسَناتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيْضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عزّ وجل هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَلاَّ نَكُونَ مِنْهُمْ ونَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأخُذونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا»[34]. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»[35]. وهؤلاء هم علماء السُّوء، وأصحاب الأهواء، الذين لا يعملون بما يعلمون، يبيعون دينهم بدنياهم طمعًا في منصب، أو جاهٍ، أو مال، ويُحلِّلون الحرام!


وقد خاف النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على أمَّته من هؤلاء بقوله: «إنَّ أخْوَفَ ما أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسانِ»[36]. «أي كثيرِ عِلم اللِّسان، جاهلِ القلب والعمل، اتَّخذ العلمَ حِرفةً يتأكَّل بها، ذا هيبة وأُبَّهة يتعزَّز ويتعاظم بها، يدعو النَّاس إلى الله ويفرُّ هو منه، ويستقبح عيبَ غيرِه ويفعلُ ما هو أقبح منه، ويُظْهِر للنَّاس التَّنسُّك والتَّعبُّد، ويُسارر ربَّه بالعظائم، إذا خلا به ذئب من الذِّئاب، لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذَّر منه الشَّارع صلّى الله عليه وسلّم هنا، حَذَرًا من أن يخطفك بحلاوة لسانه، ويحرقك بنار عصيانه، ويقتلك بنتن باطنه وجَنانه»[37].



فالعلم النَّافع: هو الذي وقع في القلب، ثمَّ ظهر على اللِّسان، وأثمر العمل الصَّالح، وأورث خشية الله وتقواه، أمَّا الذي يتعلَّم العلم؛ ليتأكَّل به ويتعزَّز به عند النَّاس، فهو بمعزل عن خشية الله تعالى؛ لأنَّ العلم جرى على لسانه ولم يستقرَّ في قلبه، فهذا هو عين ما حذَّر منه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في الحديث[38].



رابعًا: تعاهد القرآن والحذر من نسيانه:

أرشد النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أمَّته إلى ضرورة المراجعة المستمرَّة لكتاب الله تعالى، وتعاهد المحفوظ من الآيات والسُّور، وشدَّد على ذلك، وضَرَب لهم الأمثلة المحسوسة ليبيِّن أثر التَّعاهد في تثبيت الحفظ في قلب حامله؛ لأنَّ القرآن عزيز، لا يبقى في صدور مَنْ يهمله، وهذا من عِزَّته، وقد ورد عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أحاديث كثيرة في التَّنبيه على ضرورة المراجعة والمدارسة، منها ما يلي:


1- عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تَعَاهَدُوا هذا القُرآنَ[39]، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ ِبيَدِهِ! لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ في عُقُلِهَا»[40]. قال ابن بطَّال رحمه الله: «هذا الحديث يوافق الآيتين؛ قولَه تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، وقولَه تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]. فمَنْ أقبل عليه بالمحافظة والتَّعاهد يُسِّرَ له، ومَنْ أعرض عنه تفلَّت منه»[41].



2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بِئْسَ مَا لأحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيْتُ آيةَ كَيْتَ وَكَيْتَ[42]، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا القُرآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا[43] مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا»[44]. و«سبب الذَّمِّ: ما فيه - أي اللَّفظ - مِنَ الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن، إذْ لا يقع النِّسيان إلاَّ بترك التَّعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهَدَه بتلاوته والقيام به في الصَّلاة لدام حِفظُه وتذكُّرُه، فإذا قال الإنسانُ: نَسيتُ الآيةَ الفلانيَّة. فكأنَّما شهد على نفسه بالتَّفريط، فيكون متعلَّقُ الذَّمِّ تركَ الاستذكار والتَّعاهد؛ لأنَّه الذي يورث النِّسيان»[45].

الحكمة من تفلُّت القرآن من الصُّدور:

شاءت حِكمة الله تعالى أنْ يتفلَّت حفظ القرآن من الصُّدور - إذا لم تكن هناك معاهدة دائمة مستمرَّة للمحفوظ - ولعلَّ من أبرز الحِكم في ذلك:

أ‌- الابتلاءُ والامتحان لقلوب العباد؛ لكي يتميَّز القلب المتعلِّق بالقرآن دائمًا، من القلب الذي تعلَّق به وقت الحفظ، ثم فترت همَّته وانصرف عنه حتى نَسِيه.



ب‌- تقويةُ دافعِ المسلم إلى الإكثار من تلاوة القرآن؛ لينال أجرًا عظيمًا بكلِّ حرفٍ يتلوه، ولو أنَّه حَفِظ فلم ينسَ لما احتاج إلى كثرة التِّلاوة، ومن هنا كان خوف نسيان الحفظ نعمةً قد لا يدرك المسلم أهميَّتها إلاَّ بعد التَّأمُّل والتَّفكُّر في هذا الشَّأن، والله تعالى أعلم[46].



3- عن عبد الرَّحمن بن شبلٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تَعَلَّموا القُرآنَ، فإذا عَلِمتُمُوه، فلا تَغْلُوا فِيهِ، ولا تَجْفُوا عَنْهُ، ولا تأكُلُوا بِهِ، ولا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ»[47]. في هذا الحديث حثَّ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أمَّته على حفظ القرآن وتعلُّمِه، وأرشدهم إلى الطَّريقة المُثلى في الحفاظ عليه: وهي ألاَّ يغلو فيه، وألاَّ يتجافوا عنه بالابتعاد والهجر، وألاَّ يستغلُّوه لمصالح دنيويَّة.



فالغُلوُّ في القرآن: هو المبالغة في التَّجويد، أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبُّر المعنى. والجفاءُ عنه: هو ترك تعاهده والابتعاد عن تلاوته. فالجفاء: هو البعد عن الشَّيء. والتَّأكُّل به: هو أن يُجعل له عِوَضًا من سحت الدُّنيا[48].

آثار في الحثِّ على مراجعة الحفظ:

اقتفى السَّلف الصَّالح رضي الله عنهم نَهْجَ نبيِّهم صلّى الله عليه وسلّم، واسترشدوا بوصاياه، من تعاهد القرآن، ومداومة مدارسته؛ كي لا يتفلَّت منهم، وقد وردت عنهم آثار كثيرة، فيها التَّنبيه على التَّدارس والمدارسة لما حفظوه، والمداومة على ذلك.

أ‌- قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «تزاوروا وتدارسوا الحديثَ، ولا تتركوه يَدْرُس»[49].



ب‌- وقال ابنُ وهبٍ رحمه الله: «قيل لأخت مالك بن أنسٍ: ما كان شُغْلُ مالكٍ في بيته؟ قالت: المصحف والتِّلاوة»[50].



ث‌- وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد رحمه الله: «القلوب تُرَبٌ، والعلم غرسها، والمذاكرة ماؤها، فإذا انقطع عن التُّرَب ماؤها، جفَّ غرسها»[51].



ج‌- وعن محمد بن القاسم بن خلاَّد رحمه الله أنه قال: «الاحتفاظ بما في صدر الرَّجل أولى من دَرْس دفتره، وحرفٌ تحفظه بقلبك أنفع من ألف حديثٍ في دفترك»[52]. ه- ولمَّا قيل للأصمعي رحمه الله: «كيف حَفِظْتَ ونَسِيَ أصحابك قال: درستُ وتركوا»[53].


ح‌- وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: «وينبغي أن يُراعيَ ما يحفظه، ويستعرض جميعَه كلَّما مضت له مدَّة ولا يُغْفِل ذلك، فقد كان بعض العلماء إذا علَّم إنسانًا مسألةً من العلم سأله عنها بعد مدَّة، فإنْ وجَدَه قد حفظها عَلِمَ أنه محبٌّ للعلم فأقبل عليه وزاده، وإن لم يره قد حفظها، وقال له المتعلِّم كنتُ قد حفظتُها فأُنسيتُها، أو قال كتبتها فأَضعتُها، أعرض عنه ولم يعلِّمه»[54].












توقيع : توت احمر



شكرًا صديقتي العزيزه ff1 (147).gif

عرض البوم صور توت احمر   رد مع اقتباس
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موعد مباراة برشلونة وريال بيتيس في الدوري الأسباني والقنوات الناقلة للمباراة shagawa2004 قسم المواضيع المحذوفة والمكررة 0 08-20-2016 03:19 AM


الساعة الآن 05:36 AM.



Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, hyyat
الموضوعات المنشورة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي كاتبها فقط