هن قدوتي (1): خديجة بنت خويلد رضي الله عنه

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سيكون درسنا بإذن الله عن سيرة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين.

لما في سيرتهن من المواقف المشرفة والأحداث الهامة التي تنفع سائر المسلمين، ويقدمن مثلًا صادقًا على سلوك المرأة المسلمة المحافظة على بيتها وزوجها.

فلهذا وجب علينا التعرف على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حياتهن وفضلهن ومكانتهن في الإسلام بعد دخولهن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فاهتدين بهدية.

وسيرة أمهات المؤمنين لها قيمة كبيرة في حياة الأمة الإسلامية؛ فهنَّ معلمات وقدوة لنساء البشرية، فلهذا حرصنا على دراسة حياتهن وسيرتهن رضي الله عنهن.

نساء النبي إحدى عشرة امرأة، وهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ الجمع بين إحدى عشرة امرأة.

وهن 6 من قريش:
1- خديجة بنت خويلد.
2- عائشة بنت أبي بكر.
3- حفصة بنت عمر بن الخطاب.
4- أم حبيبة بنت أبي سفيان.
5- أم سلمة بنت أبي أُمية.
6- سودة بنت زمعة.

و4 عربيات:
1- زينب بنت جحش (أسدية).
2- زينب بنت خزيمة (هلالية).
3- ميمونة بنت الحارث (هلالية).
4- جويرية بنت الحارث المصطلقية (خزاعية).
وواحدة غير عربية من بني إسرائيل:
1- صفية بنت حيي (من بني النضير).
رضي الله عنهن.

مات عنده صلى الله عليه وسلم اثنتان؛ خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة. ومات عن تسع.

أول من تزوج خديجة رضي الله عنها، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.

أكثر صداقه لزوجاته (المهور) 400 درهم، وكان لميمونة بنت الحارث.

وكان يعدل بينهن عليه الصلاة والسلام وإذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه.

هن قدوتي

1- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها:
إنها سيدة نساء العالمين في زمانها كانت تلقب بالطاهرة ( في الجاهلية )، ولدت في بيت مجد وسؤدد قبل عام الفيل بخمسة عشر عامًا، ونشأت في بيت من البيوت الشريفة فغدت امرأة عاقلة جليلة، اشتهرت بالعزم والعقل والأدب الجم؛ لذلك كانت محط أنظار كبار الرجال من قومها.

تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وسلم من أبي هالة التميمي فأنجبت منه هالة وهند، ثم مات فتزوجت من عتيق بن عائذ المخزومي فلبثت معه فترة من الزمن ثم افترقا، وقيل: مات عنها.

ثم تقدم لها بعد ذلك كثيرون من أشراف قريش لكنها آثرت الانصراف لتربية أولادها وإدارة شؤون حياتها؛ حيث كانت غنية ذات مال.

تجارة النبي صلى الله عليه وسلم بمال خديجة:
كانت رضي الله عنها امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم (أي يتاجرون في مالها ولهم حصة معينة من الربح).

فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يتجر لها في مالها ويخرج إلى الشام مع غلام لها اسمه مسيرة.

ثم عرضت عليه خديجة أن يتزوج بها فتزوجها عليه الصلاة والسلام، وكان سنها 40 سنة ومكثت عنده 24 سنة وتوفيت ولها 64 سنة وشهور.

وضربت أروع الأمثال وأعظمها في إخلاصها ومحبتها للنبي صلى الله عليه وسلم:
• فعندما رأت أنه يحب مولاها زيد بن حارثة وهبته له.

• ولما أحست أنه يحب أن يضم أحد أبناء عمه أبو طالب رحبت بذلك وأفسحت لعلي رضي الله عنه المجال الأوفر ليكتسب من أخلاق زوجها محمد صلى الله عليه وسلم.

ورزقت منه البنين والبنات: القاسم، وعبدالله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.

بداية علامات النبوة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء شهرًا كاملًا من كل عام ولقد حببت إليه الخلوة ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله عز وجل له وهو بحراء في شهر رمضان، وكان معه من أمر الوحي ما كان.

وكان أول ما بدأ النبوة أراه الله الرؤيا في المنام فشق عليه ذلك فذكره لزوجته خديجة، فعصمها الله عز وجل من التكذيب، فقالت: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا. فلما ظهر له جبريل في غار حراء رجع خائفًا وهو يقول: «زملوني زملوني.. دثروني دثروني». فلما ذكر لها ذلك، قال لها: « لقد خشيتُ على نفسي »، قالت: والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل (العاجز)، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (تعين المكروب والبائس).

فهي تبين له أنه لا يخزيه الله لأنه مواظب على جملة من الفضائل والتعاملات الاجتماعية.

واطمأن قلب النبي صلى الله عليه وسلم أمام هذا التثبيت وعاودته سكينته أمام تصديق زوجته وإيمانها بما جاء به، ولم تكتف بذلك بل ذهبت به من فورها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وحدثته بما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا الناموس، ( جبريل عليه السلام ) الذي كان ينزل على موسى عليه السلام.

فكانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بالله ورسوله، دخلت في الإسلام ووقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصره وتشد من أزره وتعينه على احتمال الأذى، فكان لا يسمع شيئًا يكرهه أو تكذيبًا إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون أمر الناس.

من فضائلها رضي الله عنها:
سلام الله عليها على لسان جبريل:
أتى جبريل عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

جاء في البداية والنهاية عند ابن كثير: (قال السهلي: وإنما بشرها ببيت في الجنة من قصب - قصب اللؤلؤ - لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان).

لا صخب فيه: لأنها لا ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا نصب: ولم تتعبه يومًا، فلم تصخب عليه يومًا ولا آذته يومًا.

فائدة لغوية: قصب السبق: أصله أنهم كانوا يضعون قصبةً عند نهاية السباق، فمن سبق اقتلعها وأخذها فتكون دلالة على سبقه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها والثناء عليها:
قالت عائشة رضي الله عنها: ما غِرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غِرت على خديجة، فغرت يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرًا منها، فقال عليه الصلاة والسلام: ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني أولادها إذ حرمني أولاد النساء.

ملاحظة: قول عائشة رضي الله عنها "خيرًا منها" من ناحية شبابها وحسنها وجميل عشرتها وليس مرادها أنها تزكي نفسها وتفضلها على خديجة فإن هذا أمره إلى الله.

وكان عليه الصلاة والسلام بارًا بصويحبات خديجة وكان يهدي لهن من الشاة إذا ذبحها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها.

ومن فضلها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران »؛ رواه أحمد.

وقد صبرت رضي الله عنها واحتسبت في وفاة ابنيها القاسم وعبدالله، وصبرت في حصار شِعب أبي طالب، وبعد انتهاء الحصار بستة أشهر مات أبو طالب ثم توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنوات.
رضي الله عن خديجة الكريمة الطاهرة، والزوجة الوفية الصادقة، والمؤمنة المجاهدة، وجزاها الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورزقنا الله تعالى حسن الاقتداء بها.