مرحبا عزيري الزائر قم بالتسجيل الأن ..
إذا كان لديك بالفعل حساب لدينا قم بتسجيل الدخول الأن ..


حفظ البيانات .. ؟

هل نسيت كلمة السر .. ؟
العودة   مميز > ::: منتديات مميز الّإسْلاَميِة ::: > •~ نبـي الرحمه وصحابته ~•
الملاحظات

 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 05-31-2021, 09:40 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
نزف القلم
اللقب:
مميز ماسي
الرتبة:
عضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركةعضو لديه أكثر من 400 مشاركة
الصورة الرمزية

الصورة الرمزية نزف القلم

البيانات
التسجيل: Feb 2021
العضوية: 4875
المشاركات: 4,180 [+]
بمعدل : 3.03 يوميا
اخر زياره : [+]
الإتصالات
الحالة:
نزف القلم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : •~ نبـي الرحمه وصحابته ~•
افتراضي المُهْرَةُ [ خُلاصةٌ مُستخلَصَة من المقامة الكُبرى إدامة النُّضْرَة]

بسم الله الرحمن الرحيم
حدَّثنا أبو الطيِّب الوائليُّ ، قال : : سَرَت بي أيام الزمان ، إلى أشرف الأوطان ، فلقيتُ قوماً نجباء ، أعزةً شرفاء ، نالوا من الخيرِ أجمعه ، و أعرضوا عن الشر أكتعه ، أكتنفوا خِصال الأُخُوَّة ، و هاموا بحب ذي النبوَّة ، بَدَت على وجوههم سيماءُ الصلاح ، و بانت أعلام الفلاح ، و ارتشفوا من معينِ الهدى ، و جانبوا مسلَك الردى ، فإليهم اطمأنت نفسي ، و بهم نسيتُ غُثُوْثَة أمسي .
فبينا أنا كذلك سارحٌ ، هتفَ بي صوتٌ ناصحٌ ، أسعد الله يومك ، و حلَلْتَ عند قومك ، مَن القادمُ علينا ، و من القاصد إلينا ؟ ، فأنت لست من أهل الديار ، و لا بِذي درهم و لا دينار ، فاكشف لنا عن حالك ، أرشدك ربي أسنى المسالك .
فقلتُ : أنا جوَّابُ بلاد ، و مختلفٌ على العباد ، أقتطفُ من أطايبهم أجودها ، و أنال من نعمهم أرغدها ، فأنزلتني المَسِيْرةُ في هذه الأرض ، المُكَرَّمةِ بالطول و العرض ، و رأيتُ منكم ما سَرَّني ، و من خصالكم ما سحرني ، فرغبتُ في استكشاف الحال ، و معرفة جميل الخصال ، فهل أجد لديكم البُغية ، فأتخذ منها خير حِلية ؟ .
فأفاد بالقبول ، و ضمن المأمول ، و نادى في القوم ، و درأ اللوم ، أن أكرموا المثوى ، و أجملوا القِرى ، فاهتبلَ الفرصةَ الرجال ، و أظهروا جميل الفعال ، و سمرتُ في الكلام ، على ضوءِ قمر الظلام ، و أخذتنا أحاديثُ السمر ، حتى داهمنا السَّحر .
فكان سَمَرُنا في الأكارم ، و رأسهم أبي القاسم ، عليه صلى الله ، و حفَّه سلامُ الإله ، و ما كان مِن بَدْءِ أمره ، و بُدُوِّ سِرِّه ، و شُنِّفَتْ الآذان بِحُسن المسموع ، و طُيِّبَتْ الألسنُ بالمديحِ المرفوع ، و أبِيْنَتْ فضائلُه ، و أُظهرتْ شمائلُه ، و طَرِبَ القلبُ للمحبوب ، و انجفلَ عنا المرهوب .
و حدا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، منشداً بِطِيْبِ الأنفاس ، ما قالَه ابنُ سيِّد الناس ، مِن قولٍ وَضَح ، في طليعةِ " المِنَح " (1) :
يَسمو بهِ المُدَّاحُ إذْ هوَ مَدْحُها *** و كذاك منشيها و مُنشدها سَما
و بهِ تحقَّقَ مَنْ نماه أجرما *** وافى له و العفوُ لمَّا أجرما
و بِمدحِهِ مَن كان مُغرىً مُغْرَما *** يَغْنى بِدارَيْهِ و يأْمَنُ مَغْرَما
فَرْضُ الصلاة عليهِ منَّا واجبٌ *** و الله قد صلى عليه و سلَّما
و تعلَّقَ القلبُ بالسَّماع ، على تعدُّدِ الأجناسِ منه و الأنواع ، كما قيلَ : " سَماعُ الأصواتِ المُطرِبَة ، بالإنشادات بالصفاتِ النبويَّةِ المُعْرَِبة " (2) ، مُقَوٍّ لمحبةِ المحبوب ، و مُنَمٍّ لتعلُّقِ القلوب ، و ذا مشروطٌ بموافقةِ الحال ، ليَحظى الفؤادُ بحسن الجمال .
أتاني هواها قبلَ أن أعرِفَ الهوى *** فصادَفَ قلباً خالياً فَتَمَكَّنا
ثُم تحدَّثَ أمثلُنا طريقة ، متفوِّها بقولِ الحقيقة ، أخذتنا تنقلاتُ الرجال ، في السفر و الترحال ، إلى مواطنِ الأمجاد ، و مفاخر النُّخْبَةِ الأجداد ، نقتبسُ علومَ الزمان الغابر ، ما يقيمَ الأوان الحاضر ، و قد خصَّني اللهُ بِصٌحبَةٍ ، أُراهم خيرَ نُخْبَةٍ ، و مما نمى إلى الأسماع ، و حالفَ ذيَّاك الاجتماع ، حديثُ رجلٍ أخباري ، و خبَرُ آثاري ، فنقلَ لمجلسنا ما زيَّنه ، و درأَ به ما شيَّنه ، ثم ذكرَ خبراً مؤسفاً ، و للقلبِ مُتلفاً ، أبان فيه عن خبيئة فِسْق ، و تطاولِ ذي مَحْق ، أشار لسطوة أهل الخميس ، و صنيعة الخسيس ، حيثُ تجرأوا بقبحٍ ، و استطالوا بقدحٍ ، على مقام النبُوَّة ، مُستعظمينَ بِفُتُوَّة ، فأطلقوا عنان اليراع ، بلا نهيٍ و امتناع ، لتَخُطَّ مرسوماً ، و تكتب مرقوماً ، يشير بالسُّبَّةِ و النقيصة ، إشارتها لذواتهم الرخيصة ، فأثار فينا الغضبَ ، و استجلبَ لنا الكرب .
فقلنا له بِشَوق ، و نطقنا بأحرف تَوقٍ ، فما كان موقفُ أهل الملة ، المنوَّرين كالأهلة ، أكان جوابُهم الصمت ، فيحقَ بهم المقت ، أم أقاموا دنياهم غضباً ، فأوردوا الضالين عَطَباً ؟ .
فأخذتني الغيرةُ الوائلية ، و اعترتني الغضبةُ الإسلامية ، فغداَ قلمي كاتباً ، و قلبي مراقباً ، قاصداً تحبيرَ مقامةٍ ، أحسبها تفي بالكرامة ، ناصراً بها زين البشر ، منافحاً عنه بلسانٍ كالحَجَرِ ، و إن كنتُ لستُ بذاك ، و إنما أرجو ما هناك ، فهيَ أقلُ ما وَجَبُ ، و أجزأُ ما الحالُ رَغِب ، فاعتليتُ منبراً مُتخيَّلاً ، و عن جهالتي لستُ متزيِّلاً ، فقلتُ لناقل الخبر ، كُفِيْتَ كلَّ الشر ، اسمع مني ما أقول ، فبمولاي الإله أصول :
إن أجودَ ما ينبغي ، و ما إياه الكريمُ ينتغي ، أن يُسعى للذبِّ عن ذي المفاخر ، و النفحِ عن جنابه الطاهر ، فليسَ هيِّنا يتطاوله الحقير ، و ليس مبتوراً يسبُّه الصغير ، فإن أنصاره على مرِّ الأزمان ، و أعوانه في سائر الأوطان ، يأخذون حقَّه كلّه ، و ينصرون دينَه فرعَه و أصلَه .
و حَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، مُنْشِداً ما قال ابنُ عُجرة (3) ، متفاخراً بالنُّصرة :
نَصَرْنا رسولَ اللهِ مِن غَضَبٍ لَهُ *** بأَلْفِ كَمِيٍ لا تُعَدُّ حواسِرُه
دعانا فسمَّانا الشِّعارَ مُقَدَّماً *** و كُنا له عونا على مَن يُناكِرُه
و كُنا له دون الجنودِ بِطانةً *** يُشاورنا في أمرِهِ و نشاورُه
و اسمعوا مني ذِيْ المقالة ، مُعظِّماً فيها صاحبَ الجلالةِ ، و أنشرُ في طيِّها بياناً ، يُدركه العَميُّ عياناً ، و يعلمُ بها مَن بعِلْمِه قد أشَرَق ، و مَن بجهله أرغد و أبرقَ ، و لستُ فيها مجانباً ، و لا للحقِّ مغالباً ، و إنما أذكرُ ما هو جوهري ، و في ديننا ضروريٌ ، فيُنصَرَ في بواطن الأتباع ، بيقظةِ الاقتداء و الاتباع ، محبِّراً في ذلك ركائزَ النُّصْرَة ، و محرِّراً معاقدَ النَّفرة ، مُحتواةٌ في خَمسٍ ، تعتزُّ بها كلُّ نفسٍ :
فأولها و أعلاها ، و أصلها و أسناها : تحقيقُ الإيمان الصادق ، السالمِ من المخارق ، حيثُ هو الدعامة الثانية (4) ، و الركيزة السامية ، و به أمرَ ربنا العَلي ، فقال : { فآمنوا باللهِ و رسولِه النبيِّ الأُمِّي } ، و ذكرَ صاحبُ " الشفا " (5) ، حقيقةَ الإيمان بلا خفا ، فقال و هو المحقِّقُ ، و في قوله مُصَدَّق ، " و الإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديقُ نبوته و رسالة الله له ، و تصديقُه في جميع ما جاءَ به و ما قالَه ، و مطابقةُ تصديق القلبِ بذلك شهادةَ اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا اجتمع التصديقُ به بالقلبِ و النطقُ به بالشهادةِ بذلك باللسان تمَّ الإيمان به و التصديق له " .
و المرءُ بهذا العَقْد ، يكون ناظراً إلى الحبيب الأمجد ، على أنَّه إنسانُ الكمالِ المُقتدى به في أحواله ، و الذي تُقْتفى آثاره و خِصاله ، و يكون طُلْعةَ الفؤاد و السريرة ، و محلَّ النظرةِ من البصيرة ، فيَكتَسي القلبُ من أنوار الفضل الكامل ، و يقتبسُ القالَبُ من الحُسْنِ الماثل ، في ذلك الشخص الشريف ، و هذا من دقائقِ هذا الأصل المنيف .
و ثاني المقامات الرفيعة ، في الإيمان بصاحب الشريعة ، كونه برسالته التامة ، مبعوثاً إلى الناس عامة ، مندرجاً في ذلك الثقلان ، الإنس و الجان ، فبه جاءَ النصُّ قاطعاً منيعا ، { قُلْ : يا أيها الناسُ إنَّي رسولُ الله إليكم جميعاً } ، و تنصيصُ أزكى الخلقِ نفساً ، في قوله : " أُعطيتُ خمساً " ، و كذا في القول البَتِّ ، " فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بِسِتٍّ
فحَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، بقولِ جُهَيش بن أويس النَّخَعي (6) ، منشداً بقريضٍ نفيس ألْمَعي :
ألا يا رسول الله إنك صادقٌ *** فَبُوْرِكْتَ مهدياً و بُوْرِكْتَ هاديا
شرعتَ لنا دين الحنيفةَ بعد ما *** عبدنا ، كأمثال الحمير ، طواغيا
فيا خيرَ مدعوٍ و يا خيرَ مُرْسَلٍ *** من الإنسِ و الجان ، لبيك داعيا
أتيتَ ببرهانٍ من الأمر واضحٍ *** فأصبحتَ فينا صادق الوعد زاكيا
و تمامُ الركيزة ، ذات المنزلة العزيزة ، صيانتها من الخوارق ، و حفظها من البوائق ، ليسلَمَ الإيمان من الفَتقِ ، و يتمَّ بها الرتق ، وعَوْدُها إلى الطعن المشين ، الوارد على شخصه المُبين ، أو المقصود به خبره ، المنقول عن الله بأثره ، فذاك موجبٌ قطع الإسلام ، و الحكم عليه بالإحكام ، في كونه كافراً خبيثاً ، حدُّه القتلُ أصلاً أثيثاً ، منقولاً بأصل الاتفاق ، بين أئمة الآفاق ، لم يُغرِب عنه فحلٌ ، و لم يَنفِه إلا ذو جهل .
و ثاني هاتيك الدعائم ، معرفةُ الخصائص العظائم ، فهو المُكرَّمُ بأشرفِ المناقبِ ، المخصوصُ بأسمى و أعلى المراتب ، و خُصَّ بها تعظيماً لحاله ، و تبيانا لعظيم خصاله ، و كونه ذا الكمال من البَشَر ، و صاحب الجلالِ عند أهل النظر .
و بناؤها على قاعدةِ التأصيل ، المستلزمةِ لمقامه بالتأهيل ، فيما تبناه ابنُ دِحية ، أناله الله كلَّ بُغْيَة ، مسطراً ذاك في " نهايته " (7) ، القاضيةِ بسابقة فضيلته ، فقال مقرراً ، و للحقِّ محرراً ، " لا يجوزُ على خصائصِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم و فضائلِه النسخُ و الاستثناء ، و لا التخصيص و لا النقص ، فإنها لم تزل فضائله صلى الله عليه وسلم تتزايد حتى مات " ، و هذا غايةُ القول بالإثبات .
فيا فلاحَ من لامستْ شغافَ قلبه ، و هنأ بالشوقِ و حبه ، معرفةُ تلك المنائح ، ذات المسك الفائح ، و اهناءة فؤاد المحب ، إذ بالحبيب يَطرب
و حدا بنا الحادي ، و شدا فينا الشادي ، بعيون الشِّعْر الفريد ، و مليحِ لفظِ القَصِيْد ، مأخوذاً عَن الحِلِّي ، البليغِ المِلِّي :
شرحَ الإله الصَّدْرَ منك لأربعٍ *** فرأى الملائكَ حولك الإخوانُ
و حُبِيْتَ في خَمسٍ بِظلِّ غمامةٍ *** لك في الهواجِرِ جِرْمها صيوانُ
و مرَرْت في سَبعٍ بِدَيْرٍ فانْحَنى *** منه الجدارُ و أسلم المِطرانُ
و كذا في خمسٍ و عشرين انْثَنى *** نَسْطورُ منكَ و قلبُه ملآنُ
حتى كملتَ الأربعينَ و أشْرَقَت *** شمسُ النبوةِ و انْجلى التبيانُ
فَرَمَتْ رُجومَ النيِّراتِ رجيْمَها *** و تساقطتْ من خوفِك الأوثانُ
و الأرضُ فاحتْ بالسلامِ عليكَ و الـ *** ـأشجارُ و الأحجارُ و الكُثْبانُ
و أَتَتْ مفاتيحُ الكُنُوْزِ بأسْرِها *** فنهاكَ عنها الزُّهْدُ و العِرفانُ
و نظرْتَ خلْفَك كالإمامِ بخاتَمٍ *** أضحى لديهِ الشكُّ و هو عِيانُ
و غَدَتْ لك الأرْضُ البسيطةُ مسجداً *** فالكلُّ منها للصلاة مكانُ
و نُصِرْتَ بالرُّعْبِ الشديد على العِدى *** و لك الملائكُ في الوغى أعوانُ
و سعى إليك فتى سلامَ مُسلِّماً *** طَوعاً و جاءَ مُسلِّماً سلمانُ
و غَدَتْ تُكلِّمُك الأباعرُ و الظِّبا *** و الضَّبُّ و الثُّعبانُ و السرحانُ
و الجِذْعُ حنَّ إلى عُلاك مُسلِّماً *** و بِبَطْنِ كفِّكَ سبَّح الصَّوّانُ
و هوى إليكَ العِذْقُ ثُمَّ رَدَدْتَهُ *** في نخلةٍ تُزهى به و تُزانُ
و الدوحتانِ وَقْد دعوتَ فأقبلا *** حتى تلاقتْ منهما الأغصانُ
و شَكى إليك الجيشُ مِنْ ظمأٍ بِهِ *** فتفجَّرَتْ بالماءِ منكَ بَنانُ
و رَدَدْتَ عين قتادةَ مِن بعد ما *** ذهبتْ فلم ينظرْ بها إنسانُ
و حكى ذراعُ الشاةِ مُوْدَعَ سُمِّهِ *** حتى كأنَّ العُضْوَ مِنه لسان
و عَرَجْتَ في ظهرِ البُراقِ مجاوز الـ *** ـسبعَ الطباقَ كما يشا الرحمنُ
و البدرُ شُقَّ و أشْرَقَتْ شمسُ الضُّحى *** بَعد الغُرُوْبِ و ما بِها نُقصانُ
و فضيلةٌ شهِد الأنام بحقِّها *** لا يستطيعُ جُحُوْدَها إنسانُ
في الأرضِ ظلَّ اللهِ كُنْتَ و لَمْ يَلُحْ *** في الشمسِ ظِلُّكَ إن حواكَ مكانُ
نُسِخَتْ بِمَظْهَرِكَ المظاهِرُ بعد ما *** نُسِخَتْ بِمِلَّةِ دينِك الأديانُ
و على نُبُوَّتِك المُعَظَّمِ قَدْرُها *** قام الدليلُ و أُوْضِحَ البُرْهانُ
و لو أنني وَفَّيْتَ وَصْفَك حقَّهُ *** فَنِيَ الكلامُ و ضاقتْ الأوزانُ
فعليكَ مِن ربِّ السلامِ سلامُهُ *** و الفضلُ و البركاتُ و الرِّضْوانُ
و الركيزة الثالثة ، التي للشر نافثة ، درايةُ ما له من سيرة ، مما تطيبُ بها السريرة ، حيثُ هي قانونُ أهل المحبة ، و نبراسُ ذوي القُرْبة ، الحاويةُ لجلائل الأسرار ، الباعثةُ حقائق الأنوار ، الجامعةُ لكمال الهدى ، الدافعةُ عن درْب الردى ، المُوَرِّثَةُ العلوم الدقائق ، الشاملةُ لدقيق الحقائق ، الواهبةُِ حُسْنَ التخلُق ، الموصلةُِ لجنان التحقُّق ، فبها يأنسُ المحبون ، و بنورها يستضيءُ السالكون ، جمعتْ كمالاً في جمال ، و حوتْ أقوالاً تتبعها فِعال ، لا يعتريها نقصُ بني آدم ، و الله له خيرُ عاصم ، أنوار جلالها ظاهرة ، و نجومُ سمائها زاهرة ، فهو سيدُ الهداة ، و تاجُ مَن للخير دُعاة ، المُختارُ من الرحمن بحكمته ، المصطفى من الديان برحمته .
و رابعةُ الركائز ، كونه لشميلة الحسن حائز ، و ما حُبِيَ من أخلاقٍ حسان ، مُهذَّبَةٍ بالقرآن ، و صفاتٍ كاملة ، و نعوتٍ فاضلة ، بها استنارتْ أفئدةُ قومٍ فأسلموا ، و استضاءت قلوب مؤمنين فأُنعموا ، إذ " أولى ما صُرِفَتْ إليه العنايةُ ، و جرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضلِ غاية ، فنُّ الشمائلِ المحمديَّة ، المشتملُ على صفاته السَّنِيَّة ، و نعوتِه البهيَّة ، و أخلاقه الزَّكية ، التي هيَ وسيلةٌ إلى امتلاءِ القلبِ بتعظيمه و محبَّتِه ، و ذلك سببٌ لاتِّباعِ هديه و سُنَّتِه ، و وسيلةٌ إلى تعظيم شِرعته و ملته " (8)، لأنه المبعوثُ إلى الأفاق ، ليُتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاقِ ، فأخلاقه " أخلاقٌ نبويةٌ ربانيةٌ ، تخلَّقَ إذْ أُمِرَ بالتخلُّق بها من اللهِ تعالى نبيُّه سيدُ البريةِ ، فطوبى لِمن بها من العبادِ تخلَّقَ ، و هنيئاً لمن بأذواقِ معالي معانيها تحقَّق " (9).
و ما أحلا ما خطَّه الفقيه المُحِب ، في أجود ما كُتِب ، في " المنح المكية " ، الكاشفة للغراءِ " الهَمزيَّة " ، حيثُ قال بصدق ، و نطق بحق ، " لَمَّا اجتمعَ فيه صلى الله عليه وسلم من خصال الكمالِ ، و صفاتِ الجلالِ و الجمالِ ما لا يحصرُه أحدٌ ، و لا يُحيطُ به عد أثنى الله عليه في كتابه الكريم فقال الله تعالى { و إنك لعلى خُلُقٍ عظيم } ، فوصفه بالعظيم ، و زاد في المدحةِ بإتيانه بـ ( على ) المُشْعِرَةِ بأنه صلى الله عليه وسلم استعلى في ذلك على معالي الأخلاق ، و استولى عليها ، فلم يَصِلْ إليها مخلوقٌ غيرُه ، وَ وُصِفَ بالعِظَمِ دون الكرم الغالبِ وصفُه به ، لأن كرمَه يُرادُ به السماحةُ و الدماثة "(10) .
و " إذا كانت العقلاء تطمحُ إلى معرفةِ عظماء العالم و كبرائه ، فإنَّ أحقَّ ما يجبُ أن تطمحَ إليه و تطمعَ فيه هو التعرُّفُ إلى سيِّد السادات ، و فخرِ الكائنات ، الذي رفعه اللهُ تعالى أعلى الدرجات ، و رقَّاه فوقَ جميع أهل المراتب و المقامات " .
وَ معرفةُ الأوصاف العظيمة ، و الشمائلِ الكريمة ، يعطي صورةً تنطبعُ في القلب ، و ترتسمُ في مخيَّلَة المُحِب ، كأنه قد رأى محبوبَه ، و نال مطلوبَه ، و بها تحيا القلوبُ و تجول ، و تطربُ الأرواحُ و العقولُ ، و يزدادُ الشوقُ ، و يتحرَّكُ التَّوْقُ ، و كينونةُ ذاك بالتعلُّقِ (11) ، ليَكْتَمِلَ أصلُ التخلُّقِ ، و يُلْهَم القلبُ حُسْنَ التدقيقِ ، في المحبةِ على التَّحْقِيْق
و حدا بنا الحادي ، و شدا بصوته الشادي ، مُنَغِّماً لأبي مَدْيَن ، ما تقرُّ به الأعيُن :
و نحيا بذكركمُ و إن لم نركم *** ألا إنَّ تذكارَ الأحبةِ يُنعشُنا
فلولا معانيكم تراها قلوبنا *** إذا نحنُ أيقاظٌ و في النَّومِ إنْ غِبنا
لمتنا أسىً من بُعدكم و صبابةً *** و لكنَّ في المعنى معانيكمُ معنى
يُحرِّكنا ذكرُ الحديث عنكمُ *** و لولا هواكم في الحشا ما تحرَّكْنا
و كلُّ هذا المديح ، للسيد المليح ، لأن " اللهُ جلَّ و علا كساهُ من نورِ الجلال ، حُلَّةَ المحبَّةِ و الجمالِ ، فكان ما نظرَ إليهِ أحدٌ من الموحدين إلا أفلحَ كلَّ الفلاح ، و ظهر عليه نورُ الحقيقةِ و لاح ، و أُخِذَتْ عنه بعد الجهلِ دقائقُ العلوم ، و صارَ خليفةً أو أميراً في طَيْلَسانِ الأمرِ و النهي المعلوم " (12).
و قد أوسَع الله فيه المِدحَةَ ، و أولاه المِنْحَةَ ، فأشادَ بأعضائه ، و أعظمَ بِحُسْنِ ثنائه ، و في مدحها إشارةٌ لكمالِه ، و تمامِ جمالِه و جلالِه ، فلهذه يكون مدحُ المُدَّاحِ ، فادْرِ هُدِيْتَ يا صاحْ .
فحَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، مُظْهِراً مقام المدح ، و ما فيه مِن المَنْح :
جُحُوْدُ فَضِيْلَةِ الشُعراءِ غَيُّ *** و إكْرامُ المَدِيْحِ مِن الرَّشادِ
مَحَتْ " بانتْ سُعادُ " ذُنُوْبَ كَعْبٍ *** و أَعْلَتْ كَعْبَه في كُلِّ نادِ
و ما افتقرَ النبيُّ إلى قَصِيْدٍ *** مُشَبِّبَةً بِبَيْنٍ مِن سُعادِ
و لَكِنْ سُنَّ إسدادُ الأيادي *** فكان إلى المكارِمِ خيرَ هادي
ثُمَّ ساقَنا بِإنشادِه ، أكْرَمَه اللهُ بِحُسْنِ إيفادِه :
حَاوَلْتُ أَنْ أصِفَ الحبيبَ بِبَعْضِ ما *** فَهِمَ الفُؤادُ مِن الثنا القُرآني
فَوَجَدْتُ قَولي لا يَفِيءُ بِذَرَّةٍ *** مِنْ عُشْرِ مِعْشارِ العَطا الرَّباني
مِن أينَ يُعْرِبُ مِقْوَلِي عن حَضْرَةٍ *** عَن مَدْحِها قَدْ كلَّ كُلُّ لِسانِ
مِنْ بَعْدِ ما جاءَ الكتابُ بِهِ فَمَا *** مِقْدارُ مَدْحِ العالَم الإنساني
فسألْتُ مِن ربي الثباتَ على الذي *** قَدْ خَصَّني و الصِدْقَ في إيماني
و كَما أفادَ القلْبَ سِرَّ تَعَلُّقٍ *** بِحَبِيْبِهِ يُملي بذاكَ جَناني
فأعِيْشُ في ذكرِ الحبيبِ مُنَعَّماً *** بالذكرِ مُنْبَسِطاً جميعَ زماني
و أَفوزُ بِالعُقْبَى برؤيةِ وَجْهِهِ *** و رِضاهُ عني في أجلِّ مكانِ
و خَتمُ الركائز الخَمس ، درايةُ أسماء زَكِيِّ النَّفْس ، و ما وُهِبَ من جميل الأوصاف ، الممنوحة من ذي الألطاف ، فإنه المخصوص بِحُسْنِ مبانيها ، و الموهوبُ بكُنْهِ معانيها ، مُتضَمِّنَةً صِفاتِ الكمال ، مُسْتَلْزِمَةً حقائق الجمال ، و لاختصاص مقامه عند مولاه ، ما من نعمه عليه أضفاه ، فقرَنَ اسم حبيبه باسمه ، ليَبِيْنَ للناسِ كمالُ وَصْفِه وَوَسْمِه ، و أنشد حسَّان الرسالة ، بإقرارِ ذي الجلالة :
وَ شَقَّ لَهُ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ *** فَذُوْ العَرْشِ محمودٌ وَ هذا مُحَمَّدُ
و كثَّرَ فيه صفات الكمال لِيَعْظُمَ في النفوس ، و يُدرى مقامه لدى الملك القُدُّوْس ، و أخذ المحبون من أوصاف الحُسْنِ ، أسماءَ تُذهبُ الحُزْن ، لمَّا كانت عوائد العَرب ، تكثيرُ أسماءِ ذوي الرُّتَب ، كما الصنيعُ معَ الأُسْد ، و سيفِ الِهند ، و الخيولِ الأصيلة ، و المنائح الجليلة .
فخذْ المعلومَ بقوَّةٍ ، عن وَسمِ ذي النبوَّةِ ، تكون حاظياً بِفقهٍ دقيق ، بالغاً مقام التحقيق ، و تخلَّقْ بمحاسنِ الأفعال ، تُدرك ذُرى الكمال ، فهذا يا نَقَلَةُ الأخبارِ ما بهِ فُهْتُ ، و لأجله في مقامي قُمتُ ، فأبلغوا أهل الديانة ، بواجب الصيانة ، و الحمايةِ الأكيدة ، لِعرْض ذي الخصال الحميدة ، فلا خيرَ فيهم إذا هنئوا بعيش ، و أسلموا أرواحهم لشرِّ طيش ، و رسول الله مُهانٌ ، في عِرْضه لا يُصان ، فالذبُّ عنه أوجبُ وظيفة ، و لِتُثارَ لأجله حفيظة ، و عذراً لمقامكم أيها الكرام ، فقد تجرأتُ على جنابكم في ذا المقام ، و لكنَّها غَضْبَةٌ بَدَتْ مِنِّي ، و وقفةٌ نأت عنِّي ، و أنتم أهل الصفحْ و المعذرة ، و أرجو من الله المغفرة ، و ختمُ المقامة ، الصلاةُ لذي الكرامة ، و المديحُ الباهر ، من القريضِ الطاهر ، فاعذروني إذ أطلْتُ ، فلا عُذرَ لي إن أقصرْتُ :
صلاةٌ و تسليمٌ و أزكى تحيةٍ *** على مُشْبِع الجَمِّ الغفيرِ من القُرْصِ
صبورٌ شكورٌ مُؤْثِرٌ في خصاصةٍ *** يَبِتْ و يُضْحي ثم يَطوي على خُمْصِ
صفوحٌ حليمٌ لا يؤاخِذُ مَن أسا *** و لا هو مِن جانٍ عليه بِمُقْتَصِّ
صدوقٌ فلمْ ينطقْ مدى الدهرِ عن هوى *** كذلك قال الله في مُحْكم النَّصِّ
صَؤُوْن عن الدنيا مُنيبٌ لربِّهِ *** على كُلِّ ما يُرضي المهيمنَ ذو حِرْصِ
صُنوفُ صفات الرُّسْل حِيْزَت لأحمدٍ *** بتكليمه في حضرةِ القُدسِ بِمُخْتَصِّ
صحيحٌ بأن الفضلَ فيهِ مُجَمَّعٌ *** و مِن عجبٍ أن يُجمع الفضلُ في شخصِ
صدَقْتُ لقد حاز الحبيبُ مناقباً *** تَقاصَر عَن إحصائها كُلُّ مُسْتَقْصِ
صحابتُه لَم تُحْصِ ما خصَّه الله بِهِ *** إلهُ البرايا يا ليت شِعري مَن يُحصِ
صباحٌ و مصباحٌ و نورٌ بدا لنا *** يقُصُّ جناح الكفرِ قصَّاً على قَصِّ
صُفوفاً لديه الخلْقُ تُوْقَفُ في غَدٍ *** فطوبى لِمن يُدني و ويلٌ لِمن يُقْصِ
صِلِي و انقُلي يا نفحةَ الحي و احملي *** سلامي إلى الهادي و أشواقَنا نصِّي
صدوراً طبعناها عليه محبةً *** فجاءت كنقشٍ للخواتم في فَصِّ
صَبا للصِبا صَبٌّ لأحمد قد صَبا *** نسيمَ الصِّبا قُصِّي صبابته قُصِّي
و أثني بالمديح الفصيح ، من الشعر المليح ، و أنتقي ما فاضت به القريحة ، لذي النفس المليحة ، أعني به المُبْدِعَ الصَّفي (13) ، حالفه اللطف الخفي :
فَيْرُوْزَجُ الصُّبْحِ أم ياقوتةُ الشَّفَقِ *** بَدَتْ فهيَّجَتْ الوَرْقاءَ في الوَرَقِ
أم صارمُ الشرْقِ لمَّا لاح مُخْتَضِباً *** كما بدا السيفُ مُحْمَرَّاً مِن العلَقِ
و مالت القُضْبُ إذْ مرَّ النسيمُ بها *** سَكْرى كما نُبِّهَ الوَسْنانُ مِن أرَقِ
و الغيمُ قَد نُشِرَتْ في الجوِّ بُرْدَتُهُ *** سِتراً تُمَدُّ حواشيهِ على الأفُقِ
و السُّحْبُ تبكي و ثَغْرُ البَرِّ مُبْتَسِمٌ *** و الطيرُ تسجَعُ مِن تِيْهٍ و مِن شَبَقِ
فالطيرُ في طَرَبٍ و السُّحْبُ في حَرَبٍ *** و الماءُ في هربٍ و الغُصْنُ في قلقِ
و عارضُ الأرضِ بالأنوارِ مُكْتَمِلٌ *** قد ضلَّ يشكرُ صَوبَ العارضِ الغَدِقِ
و كلَّلَ الطَلُّ أوراقَ الغُصُوْنِ ضُحى *** كما تكلَّلَ خَدُّ الخَوْدِ بالعَرَقِ
و أطلق الطيرُ فيها سَجْعَ مَنْطِقِهِ *** ما بين مُخْتَلِفٍ منه و مُتَّفِقِ
و الظلُّ يسرُقُ بين الدَّوْحِ خُطوَتَه *** و للمياهِ دبيبٌ غيرُ مُسْتَرَقِ
و قد بدا الورْدُ مُفْتَرَّاً مباسِمُه *** و النَّرْجِسُ الغَضُّ فيها شاخصُ الحَدَقِ
مِن أحمرٍ ساطعٍ أو أخضرٍ نَضِرٍ *** أو أصفرٍ فاقعٍ أو أبيضٍ يَقَقِ
و فاحَ مِن أرَجِ الأزهارِ مُنتشِراً *** نَشْرٌ تعطَّرَ منهُ كلُّ مُنْتَشِقِ
كأنَّ ذكرَ رسول اللهِ مرَّ بِها *** فأكْسِبَتْ أرَجاً مِن نشرِه العَبِقِ
محمدُ المُصطفى الهادي الذي اعتصمتْ *** به الورى فهداهم أوضح الطُرُقِ
و مَن له أخذ اللهُ العُهودَ على *** كلِّ النبيِّيْنَ مِن بادٍ و مُلْتَحِقِ
و مَن رقى في الطِّباقِ السبعِ مَنْزِلَةً *** ما كان قطُّ إليها قبل ذاك رقي
و مَن دنى فتدلَّى نحوَ خالقِهِ *** كقاب قوسين أو أدنى إلى العُنُقِ
و مَن يُقَصِّرُ مَدْحَ المادحينَ لهُ *** عجزاً و يَخْرَسُ ربُّ المنطقِ الذَّلَقِ
و يُعْوِزُ الفِكْرُ فيهِ إن أريدَ له *** وصفٌ و يفضلُ مرآهُ على الحَدَقِ
عُلاً مدَحَ اللهُ العَليُّ بها *** فقال : إنك في كلٍّ على خُلُقِ
يا خاتم الرُّسْلِ بَعثاً و هو أولُها *** فضلاً و فائزها بالسَّبْقِ و السَّبَقِ
جمعتَ كلَّ نفيسٍ مِن فضائلهم *** مِن كلِّ مُجتَمِعٍ منها و مُفْتَرِقِ
و جاءَ في مُحْكَم التوراةِ ذِكرُكَ و الـ *** ـإ نجيلِ و الصُّحُفِ الأُولى لى نَسَقِ
و خصَّك اللهُ بالفضلِ الذي شَهِدَتْ *** به لَعَمْرُك في الفُرقان من طُرُقِ
فالخَلْقُ تُقْسِمُ باسم اللهِ مُخلِصَةً *** و باسمكَ أقسَمَ ربُّ العَرْشِ للصَّدَقِ
لو آمنتْ بك كلُّ الناسِ مُخْلِصَةً *** لم يُخْشَ في البعثِ مِن بَخْسٍ و لا رَهَقِ
لو أن عبداً أطاع الله ثُم أتى *** بِبُغْضِكم كان عند الله غير تقي
لو خالفَتْكَ كُماةُ الجِنِّ عاصيةً *** أرْكَبْتَهم طبقاً في الأرضِ عن طبقِ
لو تُوْدَعُ البِيْضُ عَزْماً تستضيءُ بِهِ *** لَم يُغْنِ منها صِلابُ البيضِ و الدَّرَقِ
لو تجعلُ النَّقْعَ يوم الحَرْبِ مُتَّصِلاً *** بالليلِ ما كشَفَتْهُ غُرَّةُ الفَلَقِ
مهَّدْتَ أقطارَ أرضِ اللهِ مُنْفَتِحاً *** بالبِيْضِ و السُّمْرِ منها كلَّ مُنْغَلِقِ
فالحرْبُ في لُذَذٍ و الشِّرْكُ في عَوَذٍ *** و الدِّيْنُ في نَشَزٍ و الكُفْرُ في نَفَقِ
فضلٌ بِهِ زِيْنةُ الدُّنيا فكان لها *** كالتاجِ للرأسِ أو كالطوْقِ للعُنُقِ
صلى عليك إلهُ العَرْشِ ما طلعتْ *** شمسُ النهارِ ولاحَتْ أنْجُمُ الغَسَقِ
و آلِك الغُرَرِ اللاتي بها عُرِفَتْ *** سُبْلُ الرشادِ فكانت مُهْتدى الغَرَقِ
و صحْبِك النُّجُبِ الصِّيْد الذين جَروا *** إلى المناقِبِ مِن تالٍ و مُسْتَبِقِ
قومٌ متى أضمرتْ نفسُ امريءٍ طرَفاً *** مِن بُغْضِهم كان مِن بعد النَّعيم شَقي
ماذا تقول إذا رُمنا المديحَ وَ قدْ *** شرَّفْتنا بمديحٍ منك مُتَّفَقِ
إن قلتَ في الشعرِ حِكمٌ و البيانُ به *** سحرٌ فرغَّبْتَ فيه كُلَّ ذي فَرَقِ
فكُنتَ بالمدحِ و الإنعامِ مُبْتَدِئاً *** فلو أردْنا جزاءَ البَعْضِ لَم نُطِقِ
فلا أخُلُّ بِعُذْرٍ عن مديحكمُ *** ما دام فِكْرِي لَم يُرْتَ و لَم يُعَقِ
فسوفَ أصفيك مَحْضَ المدح مُجتهداً *** فالخلْقُ تفنى و هذا إن فَنِيْتُ بَقِي
فانبرى لي من صُلحاءِ القوم ، دافعاً عني اللوم ، قائلاً بفصيح ، بلفظ مليح ، مَهلاً هُدِيْتَ الرَّشَد ، و أكرمتَ بالرَّغَد ، فما فاه به لسانك ، قد رُفِعَ به شانك ، فأَبَنْتَ سِرَّ النُّصْرَة ، مُنِحْتَ التحجيلَ و الغُرَّة ، إذ كلٌّ عنه غافل ، و لم يَحظَ منَّا بنائل ، فلا مسلكَ يُنتَهَج ، و لا يُصَوَّبُ المُنْعَرِج ، إلا إذا أقمنا في البواطن ، ميثاقَ النُّصرَةِ الكامن ، و منه يسري إلى الظهور ، تمامُ البُدُوِّ و النشور ، و حين فُقِدْناهُ في السرائر ، أضحى الدين غير ظاهر ، و أهله أصابتهم المَسْكنة ، و أمجادهم لديهم مُمْكِنَة ، فلك الله يجزيك أفضاله ، و يُغدقُ عليك نواله ، و سعدتْ أيامك أُنْسِك ، و صيَّرَ يومك أرفع من أمسك ، و لا أراك مكروهاً ، و لا أوردك مشبوهاً ، و دامت عليك منائحُ العافية ، و لك قطوف الجنة دانية ، و قولك ليس بالإفك ، و كان ختامها مِسك .
فأمليتُ عليه حرفي ، مراعياً حالي و ظرفي ، بأنَّ حالنا في أسى ، لغياب مَن بِهِ يُؤْتَسى ، و ليس لنا في القوم منزلة ، و صِرنا للدنيءِ مَهزلة ، و إننا لنستوجبُ بالنُّصْرَة الظُّهُوْر ، و نستجلِبُ بالذبِّ شاراتِ السُّرُوْر ، و أنهيتُ المقامة باليراع ، حين غروب شمس الإمتاع ، من عاشوراءِ المُعَظَّم ، المنصورِ فيه مُوسى المُكلَّم ، الموافي يَوم الاثنين ، الفضيلِ بِلا مَيْن ، فهذه " مُهْرةٌ " خَيلاءُ ، و تَسُرُّ العيونَ الحوراء ، فتستجلِبَ " إدامةَ النُّضْرَة " ، بأفياءِ " مقامة النُّصْرَة "، بِما جادَ بِهِ عَفْوُ الخاطرِ ، فِي نُصْرَةِ الرسولِ الطاهرِ ، مُتَفَوِّهاً بِها ارْتِجَالاً ، مُخْتَزِلاً لفظها اخْتِزَالاً ، و قَد كان سببُ رَقْمِها ، و باعثُ رَسْمها ، دَمعةٌ حرَّى مِن لُبِّ البصيرةِ ، مُشتاقةً لأنوارِ كواكبَ مُنيرة ، فأنعم بدمعةٍ أفْضَتْ إلى مقامة ، و مقامةٍ تُفضي إلى دار المُقامة .
سائلاً لها القبول ، و الحَظْوَةَ بالمأمول ، و الرعايةَ مِن الذَمِّ ، و الصيانةَ مِنْ سُوءِ الفَهْم ، و الحمدُ لربنا على التَّتِمَّة ، و أسألُه كشْفَ المُلِمَّة ، و الصلواتُ الفاضلة ، على الرحمةِ النازلة .
حبَّرَها
عبدُ الله بنُ سُليمان العُتَيِّق
-----------------------------------------
(1) ( ص :38 ) .
(2) " المنح المكية " ( ص : 270 ) .
(3) هو : عبدُ الله بنُ عُجرةَ السُلمي ، انظر : " الإصابة " (2/336) ، و الأبياتُ من " منح المدح " ( ص : 157 ) .
(4) أي : أنها الشهادة الثانية .
(5) ( 2/3 )
(6) انظر : " الإصابة " (1/256) ، و الأبيات في : " منح المدح " ( ص : 68)
(7) (ص : 218)
(8) " متتهى السول على وسائل الوصول " (1/31) .
(9) " شمسُ الآفاق " ( ص : 20 ) .
(10) " المنحُ المكيَّة " ( ص:287) .
(11) في " الشمائل المحمدية " ( رقم : 8 ) : قول الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : سألتُ خالي هِنْد بنَ أبي هالة _ و كان وصَّافاً _ عَن حِلْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أنا أشتهي أن يَصِفَ لي منها شَيء أتعلَّقُ بِهِ . أي : أتعلَّقُ بِه تعلماً و حفظاً و معرفةً
(12) " الآيات البينات " ( ص : 233 ) .
(13) " ديوان الصَّفي الحِلِّي " ( ص : 83 ) .












توقيع : نزف القلم






[img3]https://up.lyaly-alomr.com/do.php?img=3767[/img3]

عرض البوم صور نزف القلم   رد مع اقتباس
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:39 AM.



Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, hyyat
الموضوعات المنشورة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي كاتبها فقط