علَّمنا كورونا أن العالم وطن الجميع

[مشاعر مبعثره]

انتشار كورونا تسبب في كارثة عالمية؛ قتل الآلاف، وأجبرنا على تحمل الإجراءات الوقائية الصارمة وتبعاتها الصحية والنفسية وأضرارها الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالناس.

تراكمت المأسي بتدهور الاقتصاد وانهياره، توقف التعليم والحياة الاجتماعية وغيرها الكثير ولكن «رُب ضارة نافعة»، فقد علمتنا التجربة المُرة قيمة النعم والحُرية التي كنا نستمتع بها ونعتبرها واقعاً حتمياً وأمراً مفروغاً منه.

لجأنا إلى منازلنا، وأوصدنا الأبواب حفاظاً على صحتنا، بينما تسرح الطيور والحيوانات وتمرح بحريتها.

التوقف الفُجائي لعجلة الحياة المُتسارعة بشكل جنوني عرى شعورنا بالتفوق، ومنحنا فرصة للتأمل والتفكير في طُرق معيشتنا بعد تراجع عدد الجرائم وانخفاض التلوث البيئي الناجم عن عوادم المركبات وانبعاثات المصانع ومخلفاتها والاستغلال العبثي للموارد الطبيعية وتفاخر البعض بذلك وغرورهم.

علَّمنا كورونا الكثير، وأثبت وحدة العالم لكونه وطن الجميع، أظهر أهمية العيش المُشترك وضرورة التعاون للسير بمركب الأرض نحو شاطئ السلام، فالعالم كالجسد والبشر أعضاؤه، كَرس مبدأ المُساواة بهذا المُصاب الذي لم يأمنه أحد.

أكدت الظروف أن وحدة العالم والتعاون الدولي سبيلنا الوحيد لمواجهته، كما أثبتت التجربة المُؤلمة أن قُدْرَة الدول وعظمتها تتمثل في ما تُقدمه من خدمات أساسية وحيوية لشعوبها وليس في قوتها العسكرية وسطوتها، فالقوة الفتاكة لكورونا شلت أنظمة الحياة وقضت على مظاهرها.

ساهم الفيروس غير المرئي في مضاعفة ساعات الجلوس بالمنزل ودعم أواصر المحبة وتعزيز العلاقات الأسرية بلم الشمل والتواصل الحميم.

المُكوث بالمنزل أظهر ابتكارات الوالدين للتعامل مع الأطفال ببرامج وفعاليات مُفيدة، وسَهل مُشاهدة حقيقة دور ربة المنزل وحجم أعمالها وأهمية جهودها الجبارة، كما علمتنا التجربة مُراعاة خصوصية الأفراد واحترام مساحتهم الشخصية.

شاهدنا جهود العاملين في الخطوط الأمامية وتضحياتهم اليومية التي أظهرت أصالة معدنهم وطيب معدن الراغبين في التطوع لخدمة البشر وتقديم التبرعات السخية للمساهمة في مواجهة الأزمة التي أجبرتنا على تطبيق «النظافة من الإيمان» والاهتمام بالاحتياطات الصحية ومُراعاة النظافة الوقائية.

التحدي الصحي أظهر أصالة الطيبين الذين سارعوا لمُساعدة الناس من دون أدنى تمييز بينهم، وكشف عمن استغل الفرصة للمكاسب الشخصية.

كشف الوباء عن أهمية تطابق الدين والعلم وضرورة تطوير الاختراعات المُفيدة لحياة الإنسان ورفاهيته ووقف الصناعات المُضرة بالناس بعد تسخير الدول مواردها في بناء الأسلحة المتطورة والفتاكة «لدرجة وجود أسلحة لتدمير الكرة الأرضية مرات عدة» في سعيها لتأمين تفوقها العسكري والبقاء في السلطة والتحكم في الدول.

لقد أثبت الفيروس الميكروسكوبي أن وحدة العالم الإنساني أعظم قوة بالكون، حلٌ ناجع لمواجهة التحديات العالمية بعدما جمع الناس ووحد مساعيهم لمُحاربة الوباء وإنقاذ البشرية، تاركين خلفهم الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية للانشغال بالتصدي للوباء والتركيز على مُحاربته عبر اكتشاف الدواء.

التفاؤل يمنحنا قوة الأمل لرؤية النور في آخر النفق، ويُساعدنا في تفادي الحزن والكآبة من الواقع الأليم الذي فُرض على الجميع.