مرحبا عزيري الزائر قم بالتسجيل الأن ..
إذا كان لديك بالفعل حساب لدينا قم بتسجيل الدخول الأن ..


حفظ البيانات .. ؟

هل نسيت كلمة السر .. ؟
العودة   مميز > ::: منتديات مميز الّإسْلاَميِة ::: > •~ نبضآت إسلآمِيـہ ~•
الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 12-31-2021, 04:45 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
سليدا
اللقب:
Guest

البيانات
العضوية:
المشاركات: n/a [+]
بمعدل : 0 يوميا
اخر زياره : [+]
الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:

المنتدى : •~ نبضآت إسلآمِيـہ ~•
افتراضي وصار الحق أمنية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأرسل إلينا خير الأنام، وأنزل عليه خير الكلام، هُدى للناس ونورًا مبينًا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم.



وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الأكرمين.



أما بعد أيها المسلمون: فلقد كرَّم الله الإنسان أعظم تكريم، وميَّزه خير تمييز، وفضَّله على سائر المخلوقات بمزايا عظيمة، وخصائص جليلة، تشريفًا له وإكرامًا منه سبحانه وتفضلًا، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].



ومرت جنازة والنبيُّ صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، فوقف احترامًا وتقديرًا لها، فقال أحد الصحابة: إنها جنازة يهودي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أليست نفسًا؟)) (البخاري).



ومن تكريم الله للإنسان أن جعل له حقوقًا خُصَّ بها، شرعها له، وفرضها في كتابه العظيم وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لكل إنسان؛ لينال كلُّ ذي حق حقَّه.



ومما يثير العجب ويستحق التذكير أن حقوق الإنسان في الإسلام شملت الإنسانَ بمعناه الإنسانيِّ الشمولي، بمعنى أن كل إنسان قد أُعطي حقَّه من هذه الحقوق، ولم تقتصر فقط على الإنسان المسلم، بل شملت كل إنسان ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أو كبيرًا، وبغَضِّ النظر عن مكانته الاجتماعية أو مستواه المعيشي، وقرر رسول الله عليه الصلاة والسلام جملةً مِن المبادئ السامية في هذا المجال، ومن ذلك: نَصه في خطبة حجة الوداع، التي تُوفي بَعدَها بأقل مِن ثلاثة أشهُر، فطبق الصحابة هذه الحقوق كما أُمروا بها، وخذ على هذا مثالًا:

فعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة، قام بتعيين عمر بن الخطاب قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة لم يفتح جلسة، ولم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال له أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ فقال: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجة لي عند قوم مؤمنين، عرَف كلٌّ منهم ما له من حق فلم يطلب أكثرَ منه، وما عليه من واجب فلم يُقصِّر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادُوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسَوه، دينُهم النصيحة، وخلُقُهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟



ولكن خلَف مِن بعدهم خلوفٌ أضاعوا الحقوق، ولم يلتزموا بأدائِها، إما عن عمْد، وإما عنْ جهْل، والله المستعان، وفرط الناس في حِفْظ الحقوق فحصَل الخلَل، وعمَّ التشاحن في دُنيا الناس، وكثُرَت الضغينة في القلوب، والهجْر والقطيعة، فهجَر الابنُ أباه، والأخُ أخاه، وتبرمت الزوجةُ مِن زوجها تشكوه، ومَلَّ الزوج امرأتَه فكثُر الهجر، وشَكَا العامل صاحبَ العمل، واكتظتْ مكاتب العمل بالشكاوى، وأصبح الحق أمنية لكل من ضاع حقه.



وما أقسى أن يتلاشى الحقُّ المكفول شرعًا أو عرفًا للإنسان، فيصبح حصول صاحبه عليه أحدَ أحلامه، أو ربما حلمه الكبير الذي يمنِّي نفسه كل يوم وليلة بنواله، فالحق الذي يفترض أن يناله الإنسان دون جهد منه أو عناء في طلبه، قد يُضحي يومًا حلمًا مستحيلَ التحقق والحدوث، وتصبح المطالبة به من الجرائم، بل ربما يعاقَب كل من يتجرأ بمحاولة رفع صوته لتذكير مغتصب حقِّه أو جاحده به.



وما أظلم الإنسانَ لنفسه حينما يتصور أن حقوق العباد ملكٌ خالص له، فلا حق لهم إلا ما يمنحه أو يقرره هو، وأن ما يقولون عنه أنه حق لهم مرهون عنده بإذعانهم له والإقرار بالسلطة المطلقة له في مصايرهم وحقوقهم، مع إقرارهم أيضًا - في نفس وقت تجرُّعِهم للذل والهوان على يده - بعدله وبحكمته، بل وربما برحمته ومحبته الخالصة لهم، وحرصه التام على رعاية مصالحهم.



فعلى المستوى العام نجد أمثلة شديدة القسوة في إهدار الحقوق والاعتداء عليها، ففيها ظلم أشد، وقسوة أكبر، وسلب حق قطاع أوسع؛ إذ إن الظلم فيها لا يقع على شخص واحد، بل على عدة آلاف أو ملايين.



ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن من أبسط حقوق الإنسان حقَّه في الحياة، وحقَّه في الحياة الآمنة، وحقَّه في صيانة عرضة وماله وممتلكاته، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الإسراء: 33]، وقال سبحانه: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].



ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا)).



وقال ابن عمر: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقَعَ نفسَه فيها: سفكَ الدم الحرام بغير حل" (البخاري).



وفي هذه الأيام أصبح القاتل لا يعرف فيمَ قَتَل، ولا المقتول فيمَ قُتل، ولم يعد هناك حرمة للدم، ولا حق محترم للأحياء في دفن موتاهم، ولا حرمة للأموات في قبورهم، فكل الحقوق مهدرة، فيُعتدى على هذه الحقوق في مواضع كثيرة في العالم، وبالأخص على المسلمين الذين أصبحوا نهبًا لكل طامع؛ فالمسلم البورمي لا يمتلك الحقَّ في حياته فضلًا عن الحق في صيانة ما دون ذلك، فعرضه وماله وممتلكاته مستباحة مع دمه، فلا حساب ولا عقاب، بل يمكن القول بأن المعتديَ عليهم يجد مكافآت مادية أو معنوية من النظام البورمي والمجتمع البوذي هناك، والأمثلة أيضًا كثيرة جدًّا على المستوى العالمي، حتى أصبح الحق الثابت في هذه الأيام أحد الأماني بعيدة التحقق، أو أحد الأوهام التي لا يتوقع الإنسان تحقيقها.



وعلى المستوى الفردي الاجتماعي توجد نماذجُ كثيرة وحالات متعددة من هذا الظلم المركب، فيها يُظلم الإنسان ويُمنع عنه حقه، ويُجبر على استجداء حقه والمطالبة به تسولًا، ويجبر أيضًا على التسبيح بحمد ظالمه، والتغني بعدله ورحمته.



فمثلًا من تكريم الإسلام للمرأة أن جَعَلَ لها حقًّا شرعيًّا في الترِكَةِ التي تركها موروثها، ﴿ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].



حق ثابت لها منذ خلقها في بطن أمها، ويظل هذا الحقُّ واجبًا لها مهما كانت حالتها: فقيرة أو غنية، بنتًا أو أمًّا أو أختًا، ولا يجوز لأحد أن يحرمها من هذا إلا بموانعه الشرعية من كفر أو ردة أو قتل لمورِّثها.



ولكن هناك من يضيِّع هذا الحق، لا سيما في بعض المجتمعات والقبائل ممن ليس لهم نصيب كبير من العلم والدين، حيث يمنعون المرأة - وخاصة المتزوجة - من الميراث، ويَأكُلون حق المرأة في الميراث، ثم يُنكِرون عليها مُطالَبتها به عن طريق القانون، ويدَّعون زُورًا وبُهتانًا أنها بهذا الفعل تضر بالأسرة وبوَشائج القُربَى! وهذا مُشاهد في كثير من مجتمعاتنا، حيث يطمع بعض الناس في أن ينال منفردًا كلَّ الميراث، ولا يعطي الباقين حقوقهم، ولا يَصِلُهم إلا الفتاتُ الذي لن ينالوه حتى يُقِرُّوا جميعًا بأن الميراث ليس حقًّا لهم، بل هو حق خالص له وحده، وأنهم جميعًا طامعون في فيض كرمه بأن يمنحهم القدر الذي يريد، على أن يحمدوه في كل موطن، وأن يحدِّثوا الجميع عن كرم خلقه وحسن تلطفه بهم، ومن يحاول أن يطالب بحقه كاملًا معتبرًا أنه حق واجب الأداء فلن ينال شيئًا، بل ربما يُحرَم من هذا الفتات الذي مُنحه الآخرون!



وخذ مثالًا آخر، جعل الإسلام للوالدين حقًّا عظيمًا، فقد ثنَّى بهما الله عز وجل بعدَ الأمر بعبادتِه وحْدَه واجتناب الشرك به سبحانه، فقال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وهذا يدل على فضلِهما وعِظَم القيام بحقهما، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الوالد أوسطُ أبواب الجَنة، فإنْ شئتَ فأضِعْ ذلك الباب أو احْفَظْه)) (والحديث أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).



ويُروَى عن عبدِالله بن المبارك أنه بَكَى لما ماتتْ أمه، فقيل له، فقال: "إني لأعلمُ أن الموت حق، ولكن كان لي بابانِ للجَنة مفتوحانِ، فَأُغلق أحدُهما".



فما أعظمَ هذا الحقَّ الذي فرط فيه الكثيرُ من الناس! وكثيرًا ما نسمع الشكوى من الوالدين والمطالبة بحقهما في البر من الأبناء، وتُحزننا دموعُهم التي تُراق مِن عيونهم، مِن تفريط أبنائهم.



فهذه أمٌّ 86 عامًا تعاني من الوحدة، فرغم امتلاكها المال والسلطة إلا أن انشغال أبنائها عنها كلٌّ بزوجته وأسرته يقتلها آلاف المرات كلَّ ليلة، حتى إنها تقول لهم: "خدوا فلوسي كلَّها، بس تعالوا اقعدوا معايا"، لكنهم يتعذرون بحياتهم العملية، ويعوضون تقصيرهم معها بتوفير خادمة تلبي للأم كافة احتياجاتها، وتعطيها الدواء في مواعيده المقررة، لكنها تريد أبناءها، فتقول لبوابة الأهرام: "أنا أم، سهرت وربيت وعانيت من أجلهم، ليس معقولًا أن أطلب سؤالهم، هذا يقتُلني يا بنتي"، وهكذا صار الحق أمنية.



وإليكم مثالًا آخر، فقد أوجب الإسلام على الزوج حقوقًا تجاه زوجته؛ حقوق مالية من توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ومسكن، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]، وقال عز وجل: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: 7].



وحقوق غير مالية؛ كحسن العشرة، ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلِّف قلبها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقوله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].



فعندما يحوِّل رجل بيته إلى جحيم لا يطاق، ويجعل منه سجنًا لا يحتمل، ولا يعطي لزوجته ولا لأبنائه ما أوجبه الله عليه من النفقة والرعاية، ويتفرغ فقط لحياته الخارجية ويتركهم في لظى الحرمان يتقلَّبون، فلا يعطيهم ولا يمنحهم ما يعطيه من النزر القليل -ماديًّا أو معنويًّا- إلا بذُلِّ السؤال ومرارة الحاجة، لا يجرؤ أحد منهم على المطالبة بحقه بوصفه حقًّا، ولكن يطالبون بما يتفضل عليهم به من فتات العطاء.



وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق، بل إن حقه عليها أعظمُ من حقِّها عليه؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228].



فعندما تحوِّل امرأة حياة زوجها وأبنائها إلى جحيم بإهمالها حقوقَهم، أو بكثرة طلباتها وخلافاتها مع زوجها وأبنائها، فلا تعطي الأمن والسكن لبيتها، أو تسمح لآخرين بالتدخل في حياتها، فتجعل بيتها مكشوفًا مهتك العورات أمام أهلها وصديقاتها، فلا يكون نيل أحدهم حقَّه منها إلا بشِقِّ الأنفس، ولا تعطيه كاملًا بصفته حقًّا بل تفضُّلًا منها وتكرمًا، وتعتبرهم جاحدين إن لم يشكروا صنيعها ويمجِّدوا فعلها.



والأمثلة الأخرى كثيرة للتعدي على حقوق الغير، منها ما يتعامل به ربُّ العمل مع موظفيه حينما يظن أن العقد بينهما ليس عقد عمل، بل يعتبره هو عقدًا من عقود الرق والعبودية، فلا يعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية إلا إذا رغب في ذلك، ولا يجرؤ أحدهم على المطالبة بحقه، ورسول الله قال: ((أعطوا الأجيرَ أجْره قبل أن يجف عَرَقُه)) (ابن ماجه).



وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النبيِّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: ((قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُم غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)) (البخاري).



وأيضًا في علاقة الموظف بالمواطنين الذين يتعاملون معه في إنهاء معاملاتهم، فلا ينجزها لهم إلا وفق ما يريد في الوقت الذي يريد، ولا بد عليهم أن يشكروا صنيعه بهم مهما كان، مع أن هذا حقُّهم، فأصبح الحق أمنية.



ما أحوج العالم لثورة أخلاقية تعيد للإنسان حقَّه الأول والأساسي في أن يحيا فقط على وجه الأرض، لا أن يحيا حياة كريمة، فهذا حلم لا يزال بعيد المنال، وما أحوج كثيرًا من المسلمين إلى مراجعة التزامهم بأحكام دينهم التي جاء بها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم والتي وضحها في بداية بعثته حين قال: ((إنما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارم -وفي رواية: صالح – الأخلاق)) [رواه البخاري في (الأدب المفرد) وصححه الألباني في الصحيحة].



أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى.



أما بعد عباد الله: فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: أن النبيَّ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الفارسي وأَبِي الدرْدَاءِ رضي الله عنهما، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً - أي: عليها ملابس رثة، خالية من الزينة - فَقَالَ لها سلمان: مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟ قَالَتْ: إِن أَخَاكَ أَبَا الدرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدنْيَا. قَالَ: فَلَما جَاءَ أَبُو الدرْدَاءِ قَربَ إِلَيْهِ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ فَإِني صَائِمٌ، قَالَ سلمان: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَما كَانَ الليْلُ ذَهَبَ أَبُو الدرْدَاءِ لِيَقُومَ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُم ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ: نَمْ، فَنَامَ، فَلَما كَانَ عِنْدَ الصبْحِ، قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَقَامَا فَصَليَا، فَقَالَ سلمان لأخيه أبي الدرداء: إِن لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِن لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُل ذِي حَق حَقَّهُ. فَأَتَيَا النبِي - سلمان وأبو الدرداء - فَذَكَرَا ذَلِكَ له، فَقَالَ: ((صَدَقَ سَلْمَانُ)).



أيها الإخوة: من خلال هذا الحديث، يتبين لنا: أهمية التوازن في الحياة، وضرورة التوفيق بين الحقوق والواجبات، وأن يكون المسلم متزنًا في تعامله، لا يهتم بأمر يكون اهتمامُه به على حساب غيره، تأملوا - أيها الإخوة - قولَ سلمان، والذي أقرَّه النبي، وصدق عليه: لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُل ذِي حَق حَقَّهُ.



فالتوفيق بين الحقوق والواجبات - أيها الإخوة - مطلبٌ شرعي، وواجب إسلامي، يجب على المسلم أن يؤدي ما يطلب منه، وأن يقوم بما يجب عليه، على حسب مكانته ووضعه وحالته، فكونه عبدًا لله، عليه أن يقوم بواجبات عبوديته لخالقه ورازقه، وكونه ربًّا لأسرة، فعليه أن يقوم بواجبات زوجته وأولاده، وعندما يحل عليه ضيف، يجب عليه أن يقوم بواجبه لضيافته، ومع ذلك عليه ألا يهمل نفسه، ولا يرهقها بترك ما يجب عليه لها، فلنفسه عليه حقًّا، ولربِّه عليه حقًّا، ولضيفه عليه حقًّا، ولأهله عليه حقًّا، فعليه أن يعطي كل ذي حق حقَّه.



أيها الإخوة: فإعطاءُ كل ذي حق حقَّه، هو مبدأ الناجحين، ومنهج الناجين السالمين من تبعات الإهمال والتقصير، وما فشل أكثرُ الناس في الحياة، بتركهم للواجبات، وتقصيرهم في تأدية الحقوق والمهمات، إلا بسبب مخالفة هذا المبدأ المهم العظيم، وعدم العمل بهذا التوجيه النبوي الكريم.



فبعض الناس - أيها الإخوة - على سبيل المثال: تجده باستراحته، متميزًا بين أصحابه، لو تأخر لحظات عنهم لافتقدوه، لا تحلو جلستُهم ولا سهرتهم إلا بوجوده، ولكنه فاشل مع أهله - بمعنى الكلمة - بل وفاشل حتى في عمله؛ لأن ارتباطه مع أصحابه، وتقضية وقته بالسهر واللعب والضحك معهم، على حساب أهله وعمله، فالأهل حقُّهم منه التقصير والإهمال، والبعد والهجر، والعمل حقُّه منه الكسل والنوم، وتعطيل مصالح المسلمين، فهذا هو الفشل بعينه.



وليس ببعيد من صاحبنا هذا، من يقضي وقته، ويبذل جهده، من أجل جمع المال، وزيادة الأرصدة في البنوك، فهو جيفة بالليل حمار في النهار، كما قال النبي في الحديث الذي صححه الألباني: ((إن الله يبغض كلَّ جَعظريٍّ جَواظ، سَخاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالِم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة))، فهمه وشغله الشاغل: جمعُ المال، ولكنه بخيل كل البخل على أسرته، مهمل لصحته، قاطع لرحمه، تارك لواجباته، قد يمضي عليه الأسبوع والأسبوعان، وهو لم يقم بزيارة أقرب الناس إليه: والده ووالدته، وتجده يعتذر بكثرة المشاغل، ويتحجج بقلة الفراغ، وعدم كفاية الوقت، وهذا الفشل بعينه!



أيها الإخوة: ماذا كان يفعل أبو الدرداء؟ كان يصوم النهار ويقوم الليل، ولكن لم يقر النبيُّ فعلَه ذلك؛ لأنه على حساب أهله، فكيف بمن يهمل واجباته، ولا يؤدي حقوقه، من أجل شهواته وملذاته ورغباته؟!!



فلنتقِ الله - أحبتي في الله - ولنُعطِ كلَّ ذي حق حقَّه.



أسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا، وعملًا خالصًا، إنه سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فإنه هو الغفور الرحيم، وأقم الص












عرض البوم صور سليدا   رد مع اقتباس
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بوابات ملابس لحماية المحلات من السرقة في مصر rehamking سوق مميــــز العـــام 0 06-12-2016 11:05 AM
الآن أفكار مشاريع نادرة وحصرية ومميزة والأهم مربحة احمديوسف سوق مميــــز العـــام 0 05-13-2016 11:11 PM


الساعة الآن 10:46 AM.



Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, hyyat
الموضوعات المنشورة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي كاتبها فقط